القائمة الرئيسية

الصفحات

مفــاهيــم متداخلة مع العمارة الخضـراء والاستدامه Green, Sustainable Architecture Concepts

مفاهيم العمارة الخضراء

العمارة الخضراء والعمارة المستدامة والعمارة البيئيه والعمارة الذكيه والعمارة المحليه مفاهيم متداخلة، تدور حول مراعاة البيئة والحفاظ على حقوق الاجيال القادمة فيها. فما الفرق بينهم وكيف نصل إلى مفهوم واضح للعمارة الخضراء Green Architecture؟


تهدف هذه الدراسة إلى الوصول لمفهوم دقيق للعمارة الخضراء من خلال دراسة المصطلح في القواميس والمعاجم الغربية (نظراً لأصله الغربي كمصطلح)، ثم دراسة أقوال بعض المعماريين الغربيين والعرب عن هذا المصطلح، ويليها دراسة للمصطلحات والمفاهيم المتداخلة والمتشابكة مع مفهوم العمارة الخضراء كما جاء بالمصادر، لفض الإلتباس الحادث والتوصل إلى مفهوم واضح للعمارة الخضراء.


1. مصطلح العمارة الخضراء في القواميس والمعاجم الغربية

ففي قاموس أكسفورد الوجيز جاء تحت تعريف مصطلح العمارة الخضراء Green Architecture تعريفان هما:


أ) إندماج وتداخل عناصر تنسيق الموقع مع العمارة والعمران, وتوثيق الصلة بين المبنى والحديقة.

ب) تصميم المباني وفقاً لمعايير توفير الطاقة وخفض التلوث.


في حين أحاله قاموس بنجوين ليجعله أقرب لمصطلحي العمارة المستدامة Sustainable Architecture والعمارة البيئية Environmental Architecture:


حيث عرفها على أنها إتجاه يسعى للحفاظ على البيئة الطبيعية ومواردها والحد من التلوث البيئي الناتج عن المباني، من خلال إستخدام مواد البناء الطبيعية كالأخشاب والحجر وغيرها، وإستخدام الطاقات المتجددة النظيفة مع الكفاءة في إستخدامها.

2. مصطلح العمارة الخضراء في أقوال بعض المعماريين

لكي نتفهم هذا الفكر الأخضر يجب علينا أن نتعرف على أقول بعض المعماريين الغربيين الذين مارسوا هذا الأتجاه, ومنهم المعماريين روبرت فالRobert Vale وبراندا فال Branda vale اللذان عرفا المدخل الأخضر للبيئة المبنية في كتابهما (Green Architecture) على أنه مدخل شمولي لتصميم المباني، يأخذ في الإعتبارالاستخدام الأمثل للموارد المُتمثلة في المواد والطاقات الطبيعية.


أما المعماري كين يانجKen Yeang فقد ناقش مفهوم العمارة الخضراء من وجهة نظر بيئية, مؤكداً على التأثير السئ للمباني علي الأنظمة الطبيعية ويري أن العمارة الخضراء أوالعمارة المستدامة يجب أن توفر إحتياجات الحاضر دون إغفال حق الاجيال القادمة في توفير إحتياجاتهم أيضا, فالقرارات التصميمية لاينحصر تأثيرها علي البيئة فقط ولكن يمتد تأثيرها ليشمل الأجيال القادمة أيضا.

ويرى المعماري وليام ريد William Reed أن المباني الخضراء ما هي إلا مباني تصمم وتنفذ وتتم إدارتها بأسلوب يضع البيئة في الإعتبار، وهو يري أيضا أن إحدى إهتمامات المباني الخضراء يظهر في تقليل تأثير المبني علي البيئة إلى جانب تقليل تكاليف إنشائه وتشغيله.



3. المفاهيم والمصطلحات المتداخلة مع مفهوم العمارة الخضراء

شهدت الساحة المهنية في العقدين الآخيرين من الألفية الفائتة توافداً كبيراً لمصطلحاتٍ معمارية جديدة ، وترددت مفاهيم وأساليب لم تكن مألوفة من قبل مثل: 


"العمارة الخضراء Green Architecture", "العمارة المستدامة "Sustainable Architecture, "عمارة التوازن البيئي Ecological Architecture", "العمارة الذكيةIntelligent Architecture ", " التصميم البيئي "Environmental Design, " عمارة الأركولوجي Arcology Architecture" و" العمارة المحلية أو الشعبية Vernacular Architecture ". 


وقد تداخلت هذه المفاهيم مع بعضها نظراً للتشابه في بعض النقاط، لذا فكان لابد من توضيح الفرق بين هذه المفاهيم للوصول لمفهوم العمارة الخضراء بشكل أكثر دقة وتخصصاً. وفيما يلي تعريف لبعض هذه المفاهيم والإتجاهات التي تهدف لتحقيق التوافق البيئي بقصد تحقيق الإستدامة كما جاء بالمصادر، بعد إلقاء الضوء على مفهوم الإستدامة الحضرية.


3.1. الإستدامة الحضرية Urban Sustainability

وقد جاء تحت تعريف الأستدامة الحضرية مجموعة من التعريفات نوجزها فيما يلي:

- هو تعبير ضمني قوي ومحفز ومبدأ حضري ذو جودة تصميمية، كما أنه تابع لمفهوم فكري مجتمعي حضاري ، مستفيد دائماً من التقنيات المستحدثة.

- هو تعبير عن إنعكاس خاص لفكر القوة المحفزة لجودة التصميم، والتي منها تستمد العمارة قدرتها على العمل بكفاءة، مهما تغيرت الظروف والقوة المؤثرة عبر الزمن.

- هي إشكالية تتضمن في محتواها مواجهة بين متناقضين يجب التعامل معهما وهما: الأول يتمثل في الأطار الفكري والحضاري للمجتمع بكل ماتتضمه من تأثيرات للمفاهيم والأفكار السائدة والقوانين الحاكمة، والثاني متمثل في الظروف المستحدثة التي واكبت التطور الحضاري بكل ماتحمله من فروض وأليات جديدة تتزامن مع التقدم العلمي والتقني، والتي أصبحت انعكاساتها واضحة على البناء القائم والجديد.

أي أن الإستدامة هي عملية تهدف إلي استمرارية البناء (زمنيأ) قدر الإمكان بما يتلاءم مع التغيرات البيئية والمجتمعية والاقتصادية، كما بالشكل (1)، فهي تربط بين البعد البيئي والأجتماعي والأقتصادي.

شكل (1) الأبعاد التى تعتمد عليها الأستدامة بوجه عام

3.2. العمارة المحلية أو الشعبية Vernacular Architecture

هي عمارة عفوية تلقائية المنشأ والنمو، ذات معنى وفحوى ومضمون مجتمعي، وهي تعكس متطلبات وإحتياجات فاعليها من خلال التعايش مع البيئة المحيطة، وهي قادرة على الإرتقاء بجمالياتها إلى مضمون الذوق الإنساني الراقي، فتشعر معها ببيئة ومكان المبني وإحتياجات ساكنيه. 


ويعد المعماري المصري حسن فتحي والمعماري الغربي Amos Rapoportمن أبرز مفكري هذا الإتجاه. ومن أبرز نماذج العمارة الشعبية التلقائية في العالم العربي: بيوت رشيد في مصر، العمارة التلقائية في اليمن.


3.3. التصميم البيئي Environmental Design

هو مصطلح ظهر في الخمسينيات من القرن الفائت، يتعامل مع البيئة الإصطناعية من خلال التحكم في أنظمتها المتكاملة، فالتحكم الفعال أو الساكن (مثل تصميم سمك حوائط الفناء الداخلي في المناطق الجافة) يختلف عن التحكم النشط (مثل إستخدام مكيف الهواء أو أنظمة التحكم في أشعة الشمس النافذة لداخل المبني). 


يجمع التصميم البيئي المتكامل بين أنظمة الإضاءة الإصطناعية التي تعمل ليلاً ونهاراً، مع الزجاج الملون العاكس للخفض من شدة الإشعاع الشمسي، وقد ساهمت هذه الأنظمة في الخفض من إستهلاك الطاقة في البيئات الإصطناعية، بجانب الحد من تأثيرالملوثات المتسربة أحياناً من الغلاف الجوي من خلال التحكم فيها عبرماعرف بالمباني الذكية.


3.4. المباني الذكية Intelligent Building

هي مباني تعتمد في إدارتها على أنظمة الحاسوب الرقمية. بمعنى أن الأمن والطاقة وأنظمة التصميم البيئي وصيانة وإصلاح الهيكل جميعها مراقبة بواسطة الحاسب الألي، كما أن أجهزة الكشف عن الحريق تكون موضوعة مسبقاً فيذكره الحاسوب من خلال خلفية معلوماتية عن حالة الغرفة، وغير ذلك ، وأي تعارض في البيانات يطلق الحاسوب جهازالإنذار.

3.5. عمارة المواءمة البيئية (الأركولوجي) Arcology Architecture

ظهر هذا المصطلح من خلال حركة بدت فردية للمعماري بولو سوليري Paolo Soleri في الستينيات من القرن الفائت كأختصار Architecture Coherent with Ecology، وهو مصطلح يجسد العلاقة بين الهندسة المعمارية والبيئة, فالكلمة نفسها مزيج بين العمارة والبيئة Architecture + Ecology = Arcology. 

تبعاً لتصور سوليري فإن المدينة تعمل كنظام حي في صورة عملية واحدة متكاملة, فهو يضع الكائنات الحية وأماكن العمل والأماكن العامة جميعهم معاُ في المتناول ليكون المشي هو وسيلة المواصلات الرئيسية بالمدينة, كما يعتمد على المعالجات والتقنيات المعمارية السالبة خاصة فيما يتعلق بالتبريد والتدفئة والإضاءة.


3.6. عمارة التوازن البيئي Ecological Architecture

هو مصطلح صيغ في السبعينيات من القرن الفائت بعد أزمة الطاقة وإرتفاع أسعارالوقود، ويتضمن مفهومها الإستفادة من مصادرالطاقة الطبيعية للحد من استهلاك الموارد في إقامة مبني ذاتي الإكتفاء وخدمة ذاتية بعيدة عن الإستفادة من المرافق العامة، عن طريق استخدام كفاءة العزل، ومياه الأمطار، والإشعاع الشمسي، وشدة الرياح، وتقنيات إعادة التدوير بأكبر قدر ممكن.


جدير بالملاحظة الفروق الجوهرية بين التصميم البيئي والمبنى الذكى وعمارة المواءمة البيئية (الأركولوجي) وعمارة التوازن البيئي؛ فعلى الرغم من أن جميعها مصطلحات تستهدف راحة الشاغلين، بمواد بناء محلية للوصول لكلفة طاقة أقل وجمال أكثر، إلا أن التصميم البيئي والتصميم الذكي يعتمدان على التحكم في البيئة الإصطناعية للمباني مع إضافة الإستعانة بالحاسوب. 


في حين أن الحزمة الثانية تتعامل مع معطيات البيئة الطبيعية، ومن هناعلى المختصين مراعاة الفروق الجوهرية بين كلمتي Ecology / Environment حيث تعني الأولى علم البيئة في حين تعني الثانية بإختصارموطن الكائن الحي؛ وهو وسط حيوي يحيط بالكائنات الحية، ومحيط مادي من تربة ونبات وحياة فطرية، ومحيط إجتماعي من ثقافة ولغة وتقاليد ونظم، وتركيب مناخي تأثيرات عوامل المحيط الحيوي، ووسط بنائي محسوس ومدرك.


أي أن مصطلح" البناء الأخضر "green building يظل مقصوراًعلى تصميم المباني المُفردة وفقاً لمبدأ توفيرالطاقة، بالإستعانة بمواد البناء المحلية، وأنظمة الإنشاء التقليدية، المستخرجه من تراب الأرض، وبما لا يحقق هدراً في الموارد، ولايتسبب في تدهورالطبيعة المحيطة. فيظل بهذا التوصيف تحت ميدان إختصاص العمارة الخضراء. 


بينما في حالة الإنتقال لمبدأ توفير الطاقة بالإستعانة بالأنظمة المتكاملة، يستعار مصطلح تصميم بيئي متكامل Integrated Environmental Design، ليمتد نحو مصطلح عمارة الموائمة البيئية Arcology Architecture إذا ما أُدخلت علوم البيئة والتحكم المناخي الحيويBio- Climatic Approach. 


أما إذا أُدخلت تقنية الحاسبات الرقمية فيمكن أن يطلق عليها مصطلح البناء الذكى Intelligent Building، ليكون المحقق لمباديء أي مصطلح بمفرده أوالرابط بين مباديء مصطلحين أوأكثر يسعى في الناتج النهائي لأمكانية تحقيق بعض شرائط العمارة المستدامة، كما يوضح الجدول (1) بعض الفوارق البارزة بين هذه المفاهيم المتداخلة.



والخلاصة أنه من الملاحظ في تعريفات العمارة الخضراء إقترانها بالإستدامة أو تسميتها بالعمارة المستدامة, حتي في تعريفات المعماريين الغربيين المتخصصيين في هذا الأتجاه مثل المعماري كين ينج Ken Yeang مما فرض علينا سؤالاً لابد من الأجابة عليه وهو: هل العمارة الخضراء هي العمارة المستدامة أم العمارة المستدامة هي العمارة الخضراء؟ وما الفرق بينهما؟ 


للأجابة عن هذا السؤال علينا أولاً أن نعرف بشكل أكثر توسعاً ماهي العمارة المستدامة. فالعمارة المستدامة هي جزء صغير من مفهوم أوسع نطاقاً وأكثر شمولاً ألا وهو مفهوم "التنمية المستدامة" والتي أعتنت بكل ما من شأنه أن يحفظ هذا الكوكب سليماً ومعافى قدر الإمكان للأجيال القادمة، وحيث أن العمارة تعتبر من أهم متطلبات الإنسان على الأرض ومن أكبر المصادر المؤثرة والملوثة للأرض، كان الإهتمام كبيراً بالعمارة المستدامة.


جدول (1) مقارنة بين المفاهيم المتداخلة مع مفهوم العمارة الخضراء


أي أننا يمكننا القول أن الإستدامة في التصميم هدف تسعى العمارة الخضراء لتحقيقه، فالتصميم المستدام هدف عام يمكن أن يتحقق بالعمارة الخضراء أو العمارة الذكية أو حتى بالعمارة المحلية أو البيئية. لذا فيمكننا القول أن العمارة الخضراء هي عمارة مستدامة ولكن العمارة المستدامة ليست بالضرورة عمارة خضراء فقد تتحقق الإستدامة دون تطبيق العمارة الخضراء.


مما سبق يمكننا وضع مفهوم أكثر وضوحاً للعمارة الخضراء كما يلي:


العمارة الخضراء هي إتجاه معماري معاصر يسعي للحفاظ علي البيئة الطبيعية ومواردها وحقوق الأجيال القادمة فيها من خلال الحد من تأثير المبنى علي البيئة وجعله جزءاً منها كالنبات الأخضر الذي يتكامل مع بيئته، حتى عند إنتهاء دورة حياة المبنى فهو يراعي بيئته. 


بالأضافة إلي الحد من تأثير المبنى على شاغلي الفراغ (جودة البيئة الداخلية)، وذلك من خلال مجموعة من العناصر أهمها الإعتماد علي المواد الطبيعية في البناء أو المواد المعاد تدويرها بالإضافة إلي استخدام الطاقات النظيفة والكفاءة في استخدامها.


المراجع العلميه

1) العدوي. منى سعيد، (2019)،"دور التكنولوجيا في تطبيق مبادئ العمارة الخضراء"، رسالة ماجستير، كلية الهندسة بشبرا، جامعة بنها، مصر.


2) Fleming, "The Penguin Dictionary ...Opt.”, (pp.:182 - 183) نقلاً عن K. Yeang, (1994), Designing with nature: The Ecological Basis of Architectural Design, London.

3) Vale. B, Vale. R, (1991), Green Architecture. Thames, Hudson, London.


4) Yeang. K, (1995), Design with nature: The ecological basis for architectural design, Mcgraw-hill, Inc.,America.

5) Reed. W. G, (1992), Green Building, The Hillier group, Washington, D. C.

6) Curl, James Stevens, Oxford Dictionary of Architecture, Oxford University, Press, (P. 288).


7) أبو سعدة. هشام جلال , الشاطر. عبيرمحمد, (2010), "أشكالية البناء الأخضر المستدام المعاصر", مؤتمر الإسكان العربي الاول- استدامة البناء في المنطقة العربية وخاصة البيئة الصحراوية- مصر .

8) همام. علي بن سالم عُمر, "عناصرالتصميم المِعماري-مرجع بصري"، جامعة الملك سعود، النشرالعلمي والمطابع، الرياض، السعودية، مترجم عن الأصل الإنجليزي للمؤلف )إيرنستبوردين Ernst Thälmann ).

9) سالم، عمار. (2008). "طبقات العمارة المستدامة". ورقة بحثية منشورة. مجلة الهندسة جامعة بغداد،العدد 4، المجلد 14.

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق
  1. مدونه رائعه ومقالاتك مفيده جدا شكرا على هذا المجهود الرائع ❤️

    ردحذف

إرسال تعليق